الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
روي أن ابن أبي- رأس المنافقين- دعا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فلما دخل عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم سأله أن يصلي عليه وإذا مات يقوم على قبره ثم أرسل للنبيّ صلى الله عليه وسلم يطلب منه قميصه ليكفن فيه فأرسل إليه القميص الفوقاني فردّه وطلب الذي يلي جلده ليكفن فيه فقال عمر رضي الله عنه: لم تعطي قميصك للرجس النجس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ قميصي لا يغني عنه من الله شيئًا وإني أؤمّل من الله أن يدخل في الإسلام كثير بهذا السبب» فيروى أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه طلب الاستشفاء بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات جاء ابنه يعرفه وكان ابنه صحابيًا خالصًا صالحًا فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «صل عليه وادفنه» فقال: إن لم تصل عليه يا رسول الله لم يصل عليه مسلم فقام عليه الصلاة والسلام ليصلي عليه فقام عمر رضي الله عنه بينه وبين القبلة فنزلت هذه الآية وأخذ جبريل عليه السلام بثوب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {لا تصل على أحد منهم مات أبدًا} قال عمر: فعجبت من جراءتي على النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وهذا يدل على منقبة عظيمة من مناقب عمر رضي الله عنه وذلك أنّ الوحي ينزل وفق قوله في آيات كثيرة منها آية أخذ الفدية من أسارى بدر وقد سبق شرحه، ومنها آية تحريم الخمر، ومنها آية تحويل القبلة، ومنها آية أمر النساء بالحجاب، ومنها هذه الآية، فصار نزول الوحي على مطابقة قول عمر منصبًا عاليًا ودرجة رفيعة له في الدارين ولهذا قال في حقه عليه الصلاة والسلام: «لو لم أبعث لبعثت يا عمر نبيًا» وإنما لم ينه صلى الله عليه وسلم عن التكفين في القميص ونهى عن الصلاة عليه لأن الضنة بالقميص كانت تخل بالكرم وكان الله تعالى أمره أن لا يردّ سائلًا بقوله تعالى: {وأما السائل فلا تنهر}ولأنّ ابنه كان بالوصف المتقدم فأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنه ولأن الرحمة والرأفة كانت غالبة عليه صلى الله عليه وسلم ولأنها كانت مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين كان أسر ببدر والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر، قال الواحدي: مات في موضع جر لأنه صفة للنكرة كأنه قيل: على أحد منهم ميت، وقوله تعالى: {أبدًا} متعلق بقوله: {ولا تصل} والتقدير ولا تصل أبدًا على أحد منهم منعًا كليًا دائمًا، وقال البيضاوي: مات أبدًا يعني: الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب لا للتمتع فكأنه لم يحيى واختلف في تفسير قوله تعالى: {ولا تقم على قبره} فقال الزجاج: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع هاهنا منه قال الكلبي: لا تقم لإصلاح مهمات قبره وهو من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وتولاه، وقيل: لا تقم عند قبره لدفن أو زيارة والأوّل أولى لأنّ النهي للتحريم ثم إنه تعالى علل المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره بقوله تعالى: {إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} أي: كافرون يعني: لم يتوبوا قبل موتهم عن كفرهم فسقط بذلك ما قيل: إن الفسق أدنى من الكفر فما الفائدة في وصفهم بعد ذلك بالفسق، وأجيب أيضًا: بأنّ الكافر قد يكون عدلًا في دينه وقد يكون فاسقًا فوصف الله تعالى المنافق بالفسق بعد أن وصفه بالكفر تنبيهًا على أن طريقة النفاق طريقة مذمومة عند كل أهل العلم.فإن قيل: كيف همّ صلى الله عليه وسلم أن يصلي على هذا المنافق مع قيام الكفر فيه وقيل: إنه صلى عليه؟أجيب: بأنّ التكاليف مبنية على قوله صلى الله عليه وسلم: «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» فإنه كان ظاهره الإسلام فلما أعلمه الله تعالى بذلك امتنع فلم يصل على منافق بعد ذلك ولا قام على قبره حتى قبض.{ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون} سبق ذكر هذه الآية في هذه السورة بعينها ولكن حصل بينهما تفاوت في ألفاظ أربعة: أوّلها: أنّ في الآية المتقدّمة {فلا تعجبك} بالفاء وههنا بالواو لأنّ الآية الأولى ذكرت بعد قوله تعالى: {ولا ينفقون إلا وهم كارهون} وصفهم بكونهم كارهين للإنفاق وإنما كرهوا ذلك الإنفاق لكونهم معجبين بكثرة تلك الأموال والأولاد فلهذ المعنى نهاه الله تعالى عن ذلك الإعجاب بفاء التعقيب وأما هاهنا فلا تعلق لهذا الكلام بما قبله فجاء بحرف الواو. ثانيها: أنه قال تعالى في الآية الأولى: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} وههنا كلمة لا محذوفه لأنّ مثل هذا الترتيب يبدأ فيه بالأدون ثم يترقى إلى الأشرف فيقال: لا يعجبني أمر الأمير ولا أمر الوزير وهذا يدل على أنه كان إعجاب أولئك الأقوام بأولادهم فوق إعجابهم بأموالهم وهذه الآية تدل على عدم التفاوت بين الأمرين عندهم. ثالثها: أنه تعالى قال هناك: {إنما يريد الله ليعذبهم} وههنا قال: {إنما يريد الله أن يعذبهم} فالفائذة فيه التنبيه على أن التعليل في أحكام الله تعالى محال وإن ورد حرف التعليل ومعناه أنه كقوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله} وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله. رابعها: أنه ذكر في الآية الأولى {في الحياة الدنيا} وههنا أسقط لفظ الحياة تنبيهًا على أن الحياة الدنيا بلغت في الخسة مبلغًا إلى أنها لا تستحق أن تسمى حياة بل يجب الاقتصار عند ذكرها على لفظ الدنيا تنبيهًا على كمال دناءتها، قال الرازي: فهذه وجوه في الفرق بين هذه الألفاظ والعالم بتحقيق القرآن هو الله تعالى.فإن قيل: ما الحكمة في التكرير؟أجيب: بأنه أشدّ الأشياء جذبًا وطلبًا للخواطر الاشتغال بالدنيا وهي الأموال والأولاد وما كان كذلك يجب التحذير عنه مرّة بعد أخرى في المطلوبية والمرغوبية كما أعاد تعالى قوله في سورة النساء: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لما يشاء} مرّتين وقيل: إنما كرّر هذا المعنى لأنّ الآية الأولى في قوم منافقين لهم أموال وأولاد في وقت نزولها وهذه الآية في قوم آخرين والكلام الواحد إذا احتيج إلى ذكره مع أقوام كثيرين في أوقات مختلفة لم يكن ذكره مع بعضهم مغنيًا عن ذكره مع آخرين، وقوله تعالى: {وإذا أنزلت سورة} يحتمل أن يراد بالسورة تمامها وأن يراد بعضها أي: طائفة من القرآن وقيل: المراد بالسورة سورة براءة لأنّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد {أن آمنوا با} أي: بأن آمنوا ويجوز أن تكون أن المفسرة {وجاهدوا مع رسوله}.فإن قيل: كيف يأمر المؤمنين بالإيمان فإنّ ذلك يقتضي الأمر بتحصيل الحاصل وهو محال؟أجيب: بأنّ معناه الدوام على الإيمان والجهاد في المستقبل، وقيل: هذا الأمر وإن كان ظاهره العموم لكن المراد به الخصوص وهم المنافقون أي: اخلصوا الإيمان بالله وجاهدوا مع رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما قدم الأمر بالإيمان على الأمر بالجهاد لأنّ الجهاد بغير الإيمان لا يفيد شيئًا ثم حكى الله تعالى أن عند نزول هذه السورة ماذا يقولون فقال تعالى: {استأذنك أولو الطول منهم} قال ابن عباس يعني: أهل الغنى وهم أهل القدرة والثروة والسعة من المال، وقيل: هم رؤساء المنافقين وكبراؤهم {وقالوا} أي: أولو الطول {ذرنا نكن مع القاعدين} أي: الذين قعدوا لعذر كالمرضى والزمنى، وقيل: مع النساء والصبيان ثم ذمّهم الله تعالى بقوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} جمع خالفة أي: النساء اللاتي تخلفن في البيوت، وقيل: الخوالف أدنياء الناس وسفلتهم يقال: فلان خالفه قومه إذا كان دونهم وإنما خص أولو الطول بالذكر لأنّ الذم لهم لازم لكونهم قادرين على السفر والجهاد وأمّا من لا مال له ولا قدرة له على السفر فلا يحتاج إلى الاستئذان قال المفسرون: كان يصعب على المنافقين تشبيههم بالخوالف {وطبع} أي: وختم {على قلوبهم} أي: هؤلاء المنافقين {فهم لا يفقهون} أي: لا يعلمون ما في الجهاد من الفوز والسعادة وما في التخلف من الشقاوة والخذلان ولما شرح الله سبحانه وتعالى حال المنافقين من الفرار عن الجهاد بين حال الرسول والذين آمنوا معه بالضدّ منه بقوله تعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم} أي: بذلوا المال والنفس في طلب رضوان الله تعالى والتقرب إليه وفي قوله تعالى: {لكن} فائدة وهي تقرير أنه وإن تخلف هؤلاء المنافقون عن الغزو فقد توجه إليه من هو خير منهم وأخلص نية واعتقادًا كقوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قومًا} (الأنعام،)، ولما وصفهم الله تعالى بالمسارعة إلى الجهاد ذكر ما حصل لهم من الفوائد والمنافع وهو أنواع: أوّلها: ما ذكره تعالى بقوله سبحانه: {وأولئك لهم الخيرات} أي: منافع الدارين النصرة والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة، وقيل: الخيرات الحور العين لقوله تعالى: {فيهنّ خيرات حسان}.ثانيها: ما ذكره الله تعالى بقوله: {وأولئك هم المفلحون} أي: الفائزون بالمطالب المتخلصون من العقاب والعتاب وثالثها: ما ذكره بقوله تعالى: {أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم} هذا بيان ما لهم من الخيرات الأخروية.{وجاء المعذرون} بإدغام التاء في الأصل في الذال أي: المعتذرون بمعنى المعذورين {من الأعراب} إلى النبي صلى الله عليه وسلم {ليؤذن لهم} في القعود لعذرهم فأذن لهم واختلف في هؤلاء المعذرين فقيل: هم أسد وغطفان قالوا: إنّ لنا عيالًا وإن بنا جهدًا فائذن لنا في التخلف، وقيل: هم رهط عامر بن الطفيل قالوا: إن غزونا معك أغارت أعراب طيء على أهالينا ومواشينا فقال صلى الله عليه وسلم: «سيغنيني الله عنكم» وقيل: نفر من غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله، وعن قتادة: اعتذروا بالكذب والاعتذار في كلام العرب على قسمين: يقال: اعتذر إذا كذب في عذره ومنه قوله تعالى: {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم}.فردّ الله تعالى عيهم بقوله: {قل لا تعتذروا} فدلّ ذلك على فساد عذرهم وكذبهم فيه. ويقال: اعتذر إذا أتى بعذر صحيح كما في قول لبيد:
يريد: فقد جاء بعذر صحيح. وقيل: هو التعذير الذي هو التقصير، يقال: عذر يعذر إذا قصر ولم يبالغ فعلى هذا المعنى يحتمل أنهم كانوا صادقين في اعتذارهم وأنهم كانوا كاذبين، ومن المفسرين من قال: إنهم كانوا صادقين بدليل أنه تعالى لما ذكره قال بعده: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله} أي: في ادعاء الإيمان من منافقي الأعراب عن المجيء للاعتذار فلما فصل بينهم وميزهم عن الكاذبين دل ذلك على أنهم ليسوا كاذبين.ويروى عن عمرو بن العلاء أنه لما قيل له هذا الكلام فقال: إن أقوامًا تكلفوا عذرًا بباطل فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله: {وجاء المعذرون} وتخلف الآخرون لا لعذر ولا لشبه عذر جراءة على الله وهم المراد بقوله تعالى: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم} أي: من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره {عذاب أليم} في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار.ولما بين سبحانه وتعالى الوعيد في حق من توهم العذر مع أنه لا عذر له ذكر أصحاب الأعذار الحقيقة وبين أن تكليف الله تعالى بالغزو والجهاد عنهم ساقط بقوله تعالى: {ليس على الضعفاء} كالشيوخ ومن خلق في أصل الفطرة ضعيفًا نحيفًا {ولا على المرضى} كالزمنى والعرج والعمي {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون} في الجهاد {حرج} أي: إثم في التخلف عنه فنفى سبحانه وتعالى عن هذه الأقسام الثلاثة الحرج فيجوز لهم أن يتخلفوا عن الغزو وليس في الآية بيان أنه يحرم عليهم الخروج لأنّ الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بقدر قدرته إما لحفظ متاعهم أو لتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلًا ووبالًا عليهم كان ذلك طاعة مقبولة ثم إنه سبحانه وتعالى شرط في جواز هذا التأخر عن الغزو شرطًا بقوله: {إذا نصحوا ورسوله} في حال قعودهم بالإيمان والطاعة في السرّ والعلانية وأن يحترزوا عن إلقاء الإرجافات وعن إثارة الفتن ويسعوا في إيصال الخير إلى المجاهدين الذين سافروا إما أن يقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم وإما أن يسعوا إلى إيصال الأخبار السارة من بيوتهم إليهم فإن جملة هذه الأمور جارية مجرى الإعانة على الجهاد وقوله تعالى: {ما على المحسنين} في موضع ما عليهم لبيان إحسانهم بنصحهم مع عذرهم {من سبيل} أي: طريق إلى ذمهم أو لومهم والمعنى أنه سدّ بإحسانه طريق العتاب ومن أعظم الإحسان من شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله مخلصًا من قلبه فإن ما عليه من سبيل في نفسه وماله لإباحة الشرع بدليل منفصل إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والمحسن هو الآتي بالإحسان ورأس أبواب الإحسان ورئيسها هو قول: لا إله إلا الله محمد رسول الله: {والله غفور} أي: محاء للذنوب {رحيم} أي: بجميع عباده، وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان محل التقصير وإن اجتهد فلا يسعه إلا العفو ولما ذكر الله سبحانه وتعالى الضعفاء والمرضى والفقراء وبين أنه يجوز لهم التخلف عن الجهاد بشرط أن يكونوا ناصحين لله ورسوله وهو كونهم محسنين وأنه ليس لأحد عليهم سبيل ذكر قسمًا رابعًا من المعذورين بقوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} إلى الغزو وهم البكاؤن سبعة من الأنصار معقل بن يسار وصخر بن خنساء وعبد الله بن كعب وسالم بن عمير وثعلبة بن غنمة وعبد الله بن مغفل وعلية بن زيد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بدرنا بالخروج أي: أسرعنا فاحملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغزو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أجد ما أحملكم عليه» فتولوا وهم يبكون ولذلك سموا البكائين وقيل: هم بنو مقرن من مزينة وكانوا ثلاثة أخوة معقل وسويد والنعمان وقيل: أبو موسى وأصحابه وقيل: نزلت في العرباض بن سارية، ويحتمل أنها نزلت في كل من ذكر، وقوله تعالى: {قلت لا أجد ما أحملكم عليه} حال من الكاف في أتوك بإضمار قد وقوله تعالى: {تولوا} جواب إذا {وأعينهم تفيض} أي: تسيل {من الدمع} أي: دمعها فان، ومن للبيان كقولك: أفديك من رجل، وهو أبلغ من يفيض دمعها لأنه يدلّ على أن العين صارت دمعًا فياضًا وقوله تعالى: {حزنًا} منصوب على العلة {أن لا يجدوا} أي: لئلا يجدوا محله نصب على أنه مفعول له وناصبه المفعول له الذي هو حزنًا {ما ينفقون} في الجهاد ولما قال تعالى: {ما على المحسنين من سبيل} قال تعالى في حق من يعتذر ولا عذر له: {إنما السبيل} أي: إنما يتوجه الطريق بالعقوبة {على الذين يستأذنونك} يا محمد في التخلف عنك والجهاد {وهم أغنياء} أي: قادرون على أهبة الخروج معك وقوله تعالى: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} استئناف كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء فقيل: رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف وهم النساء والصبيان {وطبع الله على قلوبهم} فلأجل ذلك الطبع قال الله تعالى: {فهم لا يعلمون} أي: ما في الجهاد من منافع الدارين، أمّا في الدنيا فالفوز بالغنيمة والظفر بالعدو، وأمّا في الآخرة فالثواب والنعيم الدائم الذي لا ينقطع.
|